مقدمة حول رواية حدث أبو هريرة قال
تشبع محمود المسعدي بالتراث ( القرآن – الشعر: أبو نواس ، أبو العتاهية ... – مؤلفات التوحيدي و الغزالي ... ) و كان واعيا بقدرته على مواكبة مشاغل العصر الراهن ، فاستدعاه في روايته " حدث أبو هريرة قال..." معيدا تشكيله تشكيلا فنيا طريفا ليمنحه قدرة على استيعاب القضايا الفكرية المعاصرة .فما هي تجليات التراث في هذه الرواية ؟ و كيف شكله المسعدي تشكيلا فنيا ؟ و ما هي القضايا المعاصرة التي أثارها بتشكيله ؟ و ماهي حدود صحة هذا القول؟
رمزية الشخصيات .
الشخصيات مقوم أساسي من مقومات العمل الروائي. وهي في الرواية تتوزع إلى عدة أنواع: البطل وهو الشخصية المركزية التي تدور حولها الأحداث و تعبر عن أفكار المؤلف و مواقفه من الحياة و الناس ، فهي تحمل عادة رؤية للعالم يسعى الكاتب إلى بلورتها في عمله . و بقية الشخصيات ثانوية و تصنف حسب علاقتها بالبطل اتصالا و انفصالا، و موقعها في برنامجه السردي ( مساعدة أو معرقلة ). و تحظى الشخصيات بعناية خاصة من المؤلف، فهو يتولى تقديمها مستخدما تقنيات روائية متنوعة كالوصف المباشر و التحليل النفسي و الحوار الخارجي و الباطني... و الشخصيات كلها خيالية ليس لها حقيقة واقعية ولا تاريخية خارج عالم الرواية ؛ خلقها المؤلف و حمّلها أفكاره و قناعاته و رؤاه .
يمكنك الإطلاع علي تلخيص محور المنزع العقلي عند الجاحض من هنا
1) البطل :
البطل في رواية "حدث أبو هريرة قال..."هو أبو هريرة؛ فالقصة قصته ، وهو يضطلع فيها بدورين أحيانا: الرواية و البطولة. و الشخصيات الأخرى ليس لها وجود مستقل عن وجوده. و هو رمز الإنسان الوجودي الساعي لفهم وجوده و معرفة كيانه و منزلته في الكون و علاقته برب الكون عبر تجارب وجودية عرف فيها أقسى أنواع الحيرة و القلق و الشك و التمزق و الخيبة . و عاش ترددا أليما بين المتناقضات فكانت حياته مأساة بأتمّ معنى الكلمة. فقد أراد المسعدي أن تكون قصته تجسيدا لفهمه الخاص للأدب : << الأدب مأساة أو لا يكون، مأساة الإنسان يتردد بين الألوهية و الحيوانية ، و تزف به في أودية الوجود آلام العجز و الشعور بالعجز: أمام القضاء ، أمام الموت ... >>.
2) الصديق في " حديث البعث الأول":
هو الذي أخرج البطل من حياته بين الأموات ، حياة التقليد و الجمود و التسليم بالمعطى و القناعات الجاهزة التي لم تكن وليدة مغامراته في شعاب الوجود و مسالك الكيان، و هداه إلى وجه آخر من الحياة لا يعرفه . و ما ظهوره في بداية الرواية إلا رمز لظهور الوعي الوجودي في ذات البطل، و بداية المغامرة الوجودية باكتشاف الحسّ. و استجابة أبي هريرة لدعوة هذا الصديق هي استجابة "لدعوة الدنيا دعوة الكون".
3) ريحانة:
هي رفيقة أبي هريرة في تجربة الحس. امرأة متحررة من كل القيود الاجتماعية. كانت سبيّة فأعتقها سيدها بعد أن جنّ بها فتمت لها حريتها. وهي مقبلة على لذّات الدنيا، منفتحة على جمال الوجود، متعلقة بأسطورة "أساف و نائلة" رمز الحب الآثم. إنها رمز اللذة الحسية و يقظة الحس. اضغط هنا لتحميل الدرس
عاشرها أبو هريرة فوجد في عشرتها شعورا بامتلاء للكيان، و أدرك أن معنى الوجود يكمن في اللذة الحسية لذلك قال : << فانا أملأ ما
أكون>>.
لكنها في آخر تجربة الحس اكتنفت أبا هريرة فحولت حياته إلى قرار و استقرار، و أصبحت عقبة في طريقه ، و ولدت فيه الملال و الكلال: << دعيني يا هاته فقد كدت أن تقطعي عني سبيلي . فقلتُ : وقد كنتُ بيتا فكرهته. فقال :نعم.>>( حديث الوضع).
ريحانة تمثل وجها من وجوه أبي هريرة المتمرد على القيود، و المقبل على الحس و لذائذ الدنيا لملء كيانه، و الواعي بعجز الحس عن الارتقاء بالإنسان عن مرتبة الحيوانية لأن الإنسان ليس مجرد جسد.
4) الجماعة :
خاض معهم أبو هريرة تجربة العدد رغبة في توسيع كيانه الفرد. و وصفهم فقال: << فأقبلت على أحياء أخرى ذليلة مستكينة عليها أمير عُرُدٌّ مستبدٌّ >>، و قال : << و فِضْنَا أمواجًا مُرْعِدَةً على الأنجاد و الأغوار>>. فهم بدونه ضعف و وهن وذِلّةٌ ، وهم معه قوة جارفة لا تقهر. و أحس أبو هريرة وهو معهم بنوع من التأله و القدرة على تجاوز منزلته البشرية المحدودة فقال:<< و وجدت في الفعل كمثل سكرة الخمرة>>.
ولكنهم سرعان ما انكشفوا له شرا متأصلا في النفوس، و جوعا لا يشبع، و نكرانا للجميل ؛ فخاب أمله فيهم ، و أحس بالخيبة فعاد إلى وحدته و فرديته الضيقة :<< و ارتدت إليّ نفسي ضيقة حسيرة ، و ضلَّ عني كياني>>. هذه الخيبة في الجماعة أكدت مأساة البطل في تمزقه بين ذاته الفردية و ذاته الاجتماعية وهو يبحث عن معنى الوجود .
5) ظلمة الهذلية :
لقيها أبو هريرة في دير العذارى حيث خاض تجربة الروح . و هي امرأة أبت الأنوثة، و تصنعت طبائع الرجال. و ترهبت فرارا من جسدها و تمردا على الشهوة و في ذلك تقول: << و كنت من أيام تيقظي إلى محاسني و نعومة لحمي أدفع الجود بها على الرجال و الوقوع تحتهم و الاستكانة إليهم. فكنت أتناساها و أنفيها... >>. فهي كافرة بإنسانيتها . حمل هذا التلخيص pdf من هنا
إلا أنها لما دخل أبو هريرة الدير أيقظ فيها اللذة الخامدة في عمق الجسد، و أكسبها وعيا بأهمية البعد الحسي في كيان الإنسان، و علّمها أن اللذة لا تغلب، وأن الرهبنة تأله مستحيل و غرور عاقبته ألم. فظلمة هي رمز للعجز عن تجاوز الجسد و ما عودتها إليه بعد رهبانية طويلة إلا ارتداد إلى المنزلة البشرية المحدودة وقد عبرت عنه بقولها: << و هبطنا الأرض >>. إنها وجه من وجوه مأساة أبي هريرة المتردد بين الجسد و الروح.
6) أبو رغال :
هو رفيق أبي هريرة في تجربة الحكمة / المعرفة العقلية . إنّه رمز للإنسان الساعي إلى تجاوز المتناقضات التي يقوم عليها الوجود و التي تتنافى باستمرار فتكون أساسا لمأساة الإنسان الوجودية ( الروح /الجسد – العدم/الكيان – الفرد/الجماعة – الحكمة/الجنون...).و هو أيضا رمز المعرفة التي لم توصل الإنسان إلى إدراك معنى الحياة و سر الوجود، فقد أهدى أبا هريرة قرطاسا و قلما استعملهما في حديث البعث الآخر حيث يقول أبو المدائن:<< ... و أخذ ورقة و ألقاها إليّ فإذا عليها خطوط قائمة و دوائر و نقط سوداء تكبر و تصغر وفي وسط الورقة بياض ناصع. فقلتُ: أطلسم أم عبث؟ قال : بل عنق الزمان و قد ضرب أو استفهام و لا معنى >>. الوجود بدا لأبي هريرة طلسما يعجز عقل الإنسان عن إدراك معناه. إنها حيرة الإنسان أمام لغز الوجود و عجزه عن بلوغ الحكمة التي تحل هذا اللغز. و مثل أبي رغال كمثل أبي هريرة الذي حيرته عبثية الوجود فقال: << شر ما في الدنيا أن الحياة عبث، بل لا أدري لعله خير ما فيها >>.(حديث الحق و الباطل ).
و اهتدى أبو رغال إلى أن الحكمة هي أن يحقق الإنسان " الاعتدال " بين المتناقضات فيكفّ عن التردد بينها و هذا ما سمّاه "السكون"
في قوله :<< إنه ليس كالحركة الدائمة قاتل، و لا كالسكون المحض سعادة و شفاء >>. لكن الاعتدال لا يتحقق إلا بالموت :<< اعتدال الحوت أو الموت >> كما يقول. لهذا أشرف أبو رغال / أبو هريرة على الجنون أي عجز العقل البشري عن حل لغز الوجود، و هذا ما جعل أبا هريرة يقطع تجربة الحكمة :<< فلما خفت على عقلي قلت : لم يبق إلا أن أطلب النهاية >> ( حديث الحكمة ).
6) أبو المدائن :
إنه من خاصة أبي هريرة أي من أصدقائه المقربين. صاحبه قبل البعث الأول و بعده، و روى الكثير من أخباره. و اصطحبه أبو هريرة في تجربة النهاية فكان الشاهد الوحيد عليها. و اسمه يحيل على القرار(المدائن) المنافي للرحيل الدائم الذي كان عليه أبو هريرة بعد بعثه من بين الأموات. لذلك كان ينكر الكثير من أفعال أبي هريرة لخروجها عن المألوف ، كالحفل الذي أقامه في ضيعته مع ريحانة و أصحابهما حين دخل في عبادة الصنمين "أساف و نائلة ". إنه وجه أبي هريرة القديم الراضي بحياته الأولى في مكة قبل خروجه منها. و بالمقارنة بينهما ندرك انزياح أبي هريرة فكرا و سلوكا عن معنى الحياة باعتبارها قرارا و رضا. اضغط هنا لمزيد التفاصيل
شخصيّات مساعدة:
وهي التي تساعد البطل ولا تعكّر مسيرته أو تعطّلها وتكون عاملا من عوامل تقدّم البطل أبو هريرة ودفع مسيرته الوجوديّة ومن أمثال هذه الشخصيات الصّديق الذي صرف أبو هريرة عن الحياة التي هي الموت مجازا ومن السكون إلى الحركة في الحديث الأول “حديث البعث الأول” (جائني صديق لي يوما فقال: أحبّ أن أصرفك عن الدنيا عامة من أيامك…) وصديقه كهلان الذي جعله يثبت وراء البحث عن الكيان وكفره بالإنسان الذي اعتاد عليه.
كان حضورها محدود وذلك لأنّ الأماكن التي كان بها أبو هريرة سابقا مثل مكة أناسها أشخاص معرقلة في بحثه عن كيانه مثل الزوجة التي تمثّل السكينة وحياة الأموات.
شخصيات معرقلة:
شخصيّات بين: مساعدة ومعرقلة:
وهي حينا تكون مساعدة وحينا آخر تكون معرقلة وذلك حسب حركة البطل في بحثه عن الوجود وتحقيقا للكيان فتكون الشخصية مثلا في بداية التجربة مساعدة على بعثها حتى يتسنّى للبطل غمر تلك التجربة والبحث في صلبها عن منشوده من ثمّ تكون عائقا في بحثه في خواتم التجارب وذلك لفشلها فكان لزاما التخلص منها ومن تلك الشخصيات “ريحانة” التي آمنت بالبطل وجعلته يتعلم ويتعرف ويتلذذ بالمتع ما كان يجهله ولكن كانت سجنا أسيرا له متمثلة في زوجته سابقا لما رمزت من ثبات واستقرار يحبسه عن الاستكمال رحلة البحث ليعود في الرتابة والجمود، وكذلك أحياء العرب التي بعثت فيه الفعل وغمار التجربة لكن من ثم بعثت فيه الجمود عن الفعل والمغامرة والجهاد، وأيضا ظلمة كانت مساعدة له في بعده الروحي منادية له بالتخلص من الجسد لفيشل من بعد ذلك فكانت معرقلة بعد أن كانت مساعدة له في بداية التجربة.
وضائف الشخصيات
الكشف عن مختلف أبعاد الإنسان في شخص البطل مثل أبو رغال ممثلا للبعد العقلي في شخص البطل أبو هريرة وريحانة البعد الحسي وظلمة البعد الروحي من خلال تجربة الدين والجماعة رمزا للفعل من خلال تجربة الجماعة.
الأساليب الفنية:
التّصدير:
أشار الأستاذ الأزهر بنرحومة في كتابه “المختصر في العربية – قسم الأدب الحديث / دار الجنوب” إلى أن أدب محمود المسعدي لا يخلو من التّصدير فيه مثل مسرحية السّدّ ومولد النّسيان، حيث نجد لها هذه الظاهرة ظهورا قويًّا ومكثفا في رواية “حدّث أبو هريرة قال…” فجعله يتخلل طوايا الكتاب في مفتتح أطوار التجارب المتعددة للبطل وعددها 15 تصديراذ، إذ أنّ التصدير لم يكن مع كل الأحاديث فكان مع 12 حديثا فقط، فنجد بعضها خاليا من التصدير ونجد حديثين قد ذكر فيه الكاتب قولين أي أنه صدّر الحديث بقولتين صدّر بهما الحديث كـ “حديث البعث الآخر” قد صدّره ببيت لبشار بت برد وقول لبويير. فهي وقد وضع تفسيرات لهذه التصديرات التي صدّر بها الكاتب الأحاديث “بمثابة لغة حلّه النص أو الحديث الذي تصدّره أو كونها أحاديث ألفت في أزمنة متباعدة ومنه إشارة جيدة في قوله في الصفحة 99 من كتابه “غير أن المهمّ ليس البحث عن الأسباب وإنما محاولة العثور على سرّ وجود التصدير“.
يتّخذ التّصدير وظائف متعدّدة منها:
- وصف حالة البطل.
- تحديد أو إشارة إلى الهدف من التجربة.
- التعليق على النّصّ.
الرّاوي في رواية “حدّث أبو هريرة قال…”:
عالم البكالوريا – بكالوريا آداب:
تنوّع الرّوّاة في رواية “حدّث أبو هريرة قال…” لمحمود المسعدي بين راوٍ مشارك في الأحداث وراوٍ غير مشارك وإنما هو شاهد عيان فنجد رواة من داخل المتن وأخرى خارجه؛ إلا أنّه بدأ من عنوان الرواية يتّضح لنا أن هناك راوٍ مركزي متمثلا في “أبي هريرة”والرواة كالآتي:
اضغط هنا من أجل التحميل
راو مشارك: وهو الراوي الذي يشارك الأحداث مع الآخرين أو هو القائم بنفسه بالأحداث (مثل: الشخصية البطلة أبو هريرة – عن أبو هريرة أنه قال – وريحانة) ويسمى راوي أحوال.
راوٍ غير مشارك: وهو الراوي الذي لم يشارك في الأحداث ويسمى الراوي المحايد فيعايش الأحداث ويكون شاهد عيان على الأحداث مثل ذلك “الرجل من الأنمار” لا يشارك في الأحداث وليس طرفا فيها وإنما عايش الأحداث فقط ولم يكن فاعلا فيها راويا لسيرة غيره:
ويمكن أن ندرج ضمن الراوي الغير مشارك في تأثيث الأحداث الراوي الناقل الذي حُدِّث فنقل الحديث مثل: (حدث هشام بن حارثة عن أبي عبيدة قال / روي عن أبي سعيد قال: حدثت ريحانة قالت ).
وظائفه: وظائف الراوي تتمثل خاصة في نقل الأحداث والتعليق عليها نظرا لطبيعة الرواية التي تعتمد على السند والمتن ومن جهة نوع الراوي أيضا. موسوعة سكوول إذ أن الراوي يتغير موقعه من راوي إلى آخر؛ من محايد أو راو من خلف أو مشارك.
الأزمنة في رواية حدث أبو هريرة قال
لم يختر الكاتب محمود المسعدي في روايته “حدّث أبو هريرة قال…” أن تكون الرواية منتظمة الخطّ الزمني بل كانت متشعبة ومتداخلة ومتعددة في مساراتها دون توجيه محدد وواضح بقدر ما كانت مجهولة الخطى، بل وأيضا كانت رواية متداخلة في أزمنتها غير منتظمة لا يحتويها زمن معيّن فكانت الأحدث وتيرة سردها تسير على نظام خاص أورده الكاتب؛ نظام زمني قائمٌ على التداخل والتباين بين الأزمنة فيكون القارئ مسافرا حسب عرض البطل للأزمنة فيعرّج به مرتدّا إلى الماضي أو متجها نحو المستقبل حيث نجد النّظم الخطي المنتظم في الزمن في موالاة الأحداث حسب التقدّم في الزّمن العادي كقوله “نتوضّأ فنصلي ثمّ ننصرف” وذلك في تواتر الأفعال العادية التي قد وَقّت بها الكاتب أحداث الناس بمواقيت الصلاة مثل الفجر “فلما كان من الغد سبق الفجر إليّ” في حديث البعث الأول أو زمن العصر “وجئناه بعد العصر لننظر في حاله” في حديث الحق والباطل. وزمن الظهر “كنت أنا وأبو المدائن وأخي حرب نجتمع في بيت أبي هريرة كل يوم جمعة عند الظهر” في حديث الحق والباطل. أو المغرب والشعاء في حديث القيامة “فلما كان المغرب جعلت أتهيّأ للانصراف / وجاء العشاء فركبت فرسا لي يحسن السير على ظلام الليل“.علاوة علي ذلك لم يرتبط بعصر معيّن منه ما هو بشري وحضاري ومادي متنوّع فكانت أزمنة مجرّدة من عصر معيّن فنجدها ما قبل الإسلام ومنها ما هو في زمن يردنا إلى زمن الأموي عصر عمر بن أبي ربيعة في إشارة إلى التغزل بالنساء في موسم الحجّ…
ويظهر هذا النظام الخاص في سرد الأحداث أو الأزمنة عبر الآليّات التي اعتمدها ووظّفها الكاتب محمود المسعدي وهي كالآتي:
ننصحك بتحميل هذا التلخيص و مشاهدته بدون نت من هنا
آليّة الاسترجاع: حيث يكون السرد استرجاعي في الرواية فيكسر خطّ السرد المنتظم المعتاد وذلك في شكل ومضة زمنيّة تعود بنا إلى الوراء كالومضة الزمنيّة التي استرجعها أبو هريرة عن طفولته وعلاقته بأخته ورفاقه وهي ومضة توقظ في البطل حاضره للكشف عن مظاهر التمرّد، منيرة له المستقبل ليهرب له.
آليّة السّبق: وهي آليّة تسبق الأحداث لتخبرنا عن مآلات الأحداث وتقدّمها من ذلك القفزة السّرديّة التي نجدها في الاشارة إلى موت أبي هريرة منذ الحديث الثاني “حديث المزح والجد” متحقّقا في الحديث الآخير”حديث البعث الآخر”.
الأمكنة في رواية “حدّث أبو هريرة قال:
يُعدُّ الإطار المكاني عنصرا هامّا وآكد في تأثيث عناصر الرواية إذ أن الرواية الذّهنيّة لم تستطع أن تخرج عن المكان فهو عنصر أساسي يكتمل به نسيج الرواية حيث يمثّل المكان في رواية “حدّث أبو هريرة قال …” لمحة بسيطة عن طبائع الشخصيات ومحدّدا لجزء منها إن لم نقل محدّدا لها بالكلّيّة فهوية الشخصيات تتبيّن من خلال الأمكنة، فالإطار المكاني كما يقول الأستاذ محمد الهاشمي الطرابلسي في كتابه ” حدّث أبو هريرة قال: الفنّ الدلالة” صفحة 62: “لم يكن إطارا بقدر ما كان مساحة نفسية يحمل دلالة المرحلة ويوحي بحالة البطل النفسية، فكلّما أحسّ البطل بالإنقباض والوحشة ضاق المكان رغم اتّساعه وكلما أحسّ البطل بالاتساع والانشراح امتدّ المكان رغم ضيقه” مشيرا إلى تجربة الحسّ. وهذا يعني أنّ الإطار المكاني لم يكن إطار تأثيث فحسب بقدر ما كان حاملا لدّلالات والرّمزيّات التي تجول في الذّهن. وحينما نستقرأ الأماكن ونمعن النّظر فيها فإنها أماكن توحي إلى طبيعة الجزيرة العربية أساسا من مكة والمدينة كأماكن مركزيّة وما حولها من صحراء “حديث الكلب” موسوعة سكوول ولعلّ في اختيار محمود المسعدي لهذه الأمكنة بأسمائها والطبيعة الصحراويّة إلا تأكيدا منه على الانتساب إلى الحضارة العربية أساسا الناشئة والمتكوّنة في ذلك الإطار لا غيره وعلاقة هذه الحضارة التي ضعفت أمام حضارات حديثة العهد إذا ما قُرنت بها من حضارة غربية، ونجد الكاتب في رواية “حدّث أبو هريرة قال…” من خلال التّشبّث وتأكيد انتسابه إلى الحضارة العربية من خلال أمكنتها التي احتوت لغة الضاد وكبار رموز اللّغة لسانيا وثقافيا وعروبيًّا وأيضا من قيمة القداسة والمكانة الهامة التي اعتنى بها العرب التي في الجانب الرّوحي وما حملته من رموز ودلالات طارئة على الذهن كما سنراه في الرمزية لاحقا.
تجربة الحسّ :
الوصل ≠ الوضع – النّشوة ≠ الضّجر… التردّد بين الإقبال على الحسّ سبيلا إلى ملء الكيان والوعي بزيفه وزواله )حديث الوضع(.
تجربة العدد:
الاجتماع ≠ العزلة – الحماس ≠ الخيبة – الإيمان بالجماعة ≠ الكفر بها… التّوق إلى تحقيق الكيان بالآخر والانتشاء بالفعل يؤول إلى الكفر بالعدد والارتداد إلى الذّات.
إضغط " dawnload "
تجربة الدّين:
الرّوح ≠ الجسد – الطّمأنينة ≠ الحيرة – الإيمان ≠ الكفر…التّوق إلى التحرّر من العرضيّ الزّائل لمعانقة المطلق يؤول إلى الوعي باستحالة الخلاص من إسار “البشريّة”.
تجربة الحكمة:
العقل ≠ العبث…تردّد البطل بين توقه إلى نحت كيانه ووعيه بحدود قدرته يفسّر تعدّد التّجارب وتنامي المغامرة اختبارا لمسالك الفعل.
القضايا المطروحة :
يتبين القارئ منذ الوهلة الأولى انشداد المسعدي و تأثره بالفلسفة الغربية بل و بالكتابة الغربية فيقول : " والذين أذكر من من انكببت على مطالعتهم في عهد التكوين الأدبي هم امثال :بود لير وبول و ستارت ..."- البحث عن الهوية في الموروث العربي , أي انتقاء ما هو ايجابي في التراث و اعمال العقل فيه , أي عدم تبنيه حرفيا .
- ترسيخ مشروع حضاري فيه جمع بين الحداثة و التراث .
- معنى الحب و قيمة الجسد الذي يعتبر قيد الانسان و سجنه .
- ضرورة خلق توازن بين الروحي الانساني و الجسدي الحيواني لخلق انسان متوازن .
- الوجودية و العبثية , أي الفكر الفلسفي الوجودي في ثنايا الرواية , أي دعوة المسعدي الانسان إلى الوعي بواقعه ووجوده .
- الحياة رسالة / فالإنسان مكلف .
- غاية الأدب الارتقاء بالإنسان إلى فكره و ضميره .
- محاولة لإخراج القارئ من السلبية الفكرية الى البحث عن الذات و النظر في الكون .
- غاية الأدب وهدفه واحد رغم تنوع الأجناس و ذلك لقوله : " وليس عندي بين القصة أو المسرحية و غير المسرحية فرق إلا في ظاهر الصورة أما الجوهر فواحد " .
- منزلة الانسان في الكون : فالإنسان متمرد لا على الله و انما على قصوره و عجزه ./ الانسان لم يخلق كاملا ,جاهزا , بل هو دائم السعي الى تكوين ذاته بإخراجها من الفطرة الى الفعل .
+ منزلة الإنسان في الوجود : الحرية / موقف المسعدي + الفكر الاقصائي الأحادي + سيطرة المادة = دعوة للاعتدال و التوازن .
- تصحيح نظرة العربي إلى التراث و إلى الحداثة ( نقد التسليم المطلق و عدم اعمال العقل + نقد النظرة الى الفكر الغربي ) أي الدعوة الى التمييز و حسن انتقاء المعارف .
- ضرورة الوعي بحقيقة الإنسان في الكون باعتباره كائن مفكر استخلفه الله في الأرض ليعمرها و يحسن توظيفها .
- سعي المسعدي الى بناء مشروع ثقافي حضاري يقوم على الجمع بين التراث و الحداثة , و الأصالة و المعاصرة .
4 شواهد حول رواية" حدث أبو هريرة قال " :
- " العطش على ماء مرقوب خير من الارتواء " .
- " يثقل الكون إذا هم أن يكون " ريحانة.
- " حذرتك أن تكوني بيتي " أبو هريرة .
- " ان استطعت فاجعل كامل حياتك فجرا ".
- تحميل شواهد الرواية اضغط هنا " شر ما في الدنيا أن الحياة عبث , بل لا أدري لعله خير ما فيها ".
- " كان ابو هريرة شغوفا بالمعرفة ".
- " هروبي من هذا ..." أي هروبه من ماضيه و ذنوبه و جسده .
- " الآن علمت و علمت أن اللذة لا تغلب " .
- " كان أعظم من الحياة " .
- " لما ذهب أصحاب أبي هريرة و الكلب خلونا ".
- " وكنت أختلي به كل ليلة في محراب أعلمه الإخلاص و أعلمه الأدعية ".
- "سحقا لآلهة كالقردة او كالحمير " ظلمة.
- "ثم هبطنا إلى الأرض". ظلمة
- " كالمستعد للرحيل لا ينقضي عنه الرحيل " . ابن مسلمة السعدي
- " أكون او لا أكون" أبو هريرة
- " ألا قل ويل للذين يموتون ثم لا يبعثون " أبو هريرة .
- " أنا الحق يناديك ...أنا الشوق طغى فيك " الهاتف الذي يهتف شعرا
- "ايا حق لبيك ...حبيبي جلاليك ... أنا الآن إليك " رد أبو هريرة على الهاتف ( المنادي)
- 5 – نصائح في الرسم و الكتابة :
- * كيف نكتب " أبو هريرة " ؟
- - نكتب " أبو " إن كانت في محل الفاعل , كقال أبو هريرة , ضحك أبو هريرة , مر بي أبو هريرة ...
- - نكتب " أبي " إن كانت في محل المجرور , أي ان سبقت بحرف جر , مثل : مررت بأبي هريرة , ضجرت من أبي هريرة ...
- - نكتب " أبا "
- إن كانت في محل المفعولية , أي محل المفعول به , مثل قولنا : رأيت أبا هريرة , قتلت أبا هريرة ...
- * كيف نكتب الهمزة الوصلية و الهمزة القطعية ؟
- تكتب الهمزة في الفعل الذي يرد على وزن ( أفعل ) و مشتقاته , همزة قطعية . مثل : أقبل – إقبال , أودع – إيداع ...
- و تكتب بقية الأوزان المزيدة همزة وصلية . مثل : استقبل , استهتر , انفرد ...
- * لا نكتب الواو في آخر السطر