أخر الاخبار

تلخيص شعر الحماسة عند المتنبي

تلخيص شعر الحماسة عند المتنبي

 


دراسة حول شعر الحماسة في القرنين الثالث و الرابع للهجرة ( أبو الطيب المتنبي نموذجا)


ملاحضة: الفيديوهات تابعة لقناة ابو ضبي دراما، أخذ من قناة ( Muhammad Dakrory ). 

الحماسة مفهوما :


أنصحك بتحميل هذا الملخص التبس مفهوم الحماسة بين النقاد إذ أنّه افتقر للدقة و التحديد ضمن المنظومة المصطلحيّة النقديّة العربية قديما و حديثا .. على أننا نذهب إلى أنّها موضوع يحضر الحديث عنه في عدد من الأغراض الشعريّة كالفخر والمدح والرثاء ... فهي لا ترتقي إلى درجة الغرض وإن استقلت ببعض القصائد في بعض التجارب، إذ الشاعر يقصد أحد هذه الأغراض أوّلا ثمّ يتطرّق إلى موضوع الحماسة في أثناء نظم القصيدة أو إنشادها. ولعلّ الثابت عند النقاد أنّ الحماسة تتّصل بموضوع الشجاعة في الحرب هجوما ودفاعا ، غزوا و تحريرا. و تظهر شجاعة الفارس المحارب من خلال مجموعة من المعاني كالحزم ودوام الاستعداد للمعركة و سرعة الاستجابة لنداء الحرب.


المقومات الفنية لشعر الحماسة عند المتنبي :


لا يروي شاعر الحماسة ما يقع حتى يوافق المقول المفعول لأنّه ليس مؤرخا ولا شاهدا عمّا يحدث ، إذ ليس همّه الموضوعيّة والحياد بل الذاتيّة و الانحياز ، إنّ غايته من رواية الوقائع هي كيفيّة تشكيلها لتفعل في المتلقّي كائنا من كان ، ذلك أنّ الخطاب الشعري خطاب يقفز فوق الواقع وينهض بوظيفة جماليّة تأثيرية.

فلقد تفنّن المتنبّي في نقل المعارك ووصف الحروب والتغني بالأبطال تفنّنا جعله يختطف الشهرة من القادة أنفسهم ، ولعلّ ذلك يتجلّى في :

1 _ الإيقاع:


أ – الإيقاع الخارجي: 

التزم المتنبّي بما فُرض من قيود الإيقاع التقليدي الخارجي ، فكانت قصائده تُراعي وحدة البحر و الرويّ وتراعي ظاهرة التّصريع إثباتا لقدرته على الاتّباع قبل الإبداع.
يتخيّر المتنبّي من البحور أطولها نفسا وأشدّها تنغيما وأقواها إيقاعا تماشيا مع المقام الحربي وموضوع الحماسة مثل بحري الطويل والبسيط ، كما يختار البحور الخفيفة المطربة في مقامات النشوة و التغنّي بالانتصارات من ذلك استشرافه لانتصار سيف الدّولة على الروم
لهذا اليوم بعد غد أريج +++ ونار في العدوّ لها أجيج


ب - الإيقاع الداخلي: 

لعلّ ما يميّز قصيدة المتنبي الحماسيّة هو ذاك الإيقاع الدّاخلي المخصوص الّذي يشكّلها والّذي يساهم بشكل بيّن في إبراز الأجواء الحماسيّة . وفي سياق ذلك كثّف المتنبي شاعرا حماسيا من المولّدات الإيقاعيّة الدّاخليّة بهدف إثراء التركيبة الشعريّة للقصيدة وتأكيد شعريّة إيقاعها مثل :
-التّجانس الصّوتي :
ضروب بأطراف الرّماح بنانه +++ لعوب أطراف الكلام المشقّق
التّرديد و التّكرار : ردّد أبو الطيّب المتنبّي كلمة «ليث» لتأكيد معنى الشّراسة الّتي يتّصف بها ممدوحه فجعلها مسيطرة على البيت سيطرة الليث على على الإنس و الحيوان:
ويُرهبُ نابُ الليث والليث وحده +++ فكيف إذا كان اللّيوث له صحبا

اقرأ ايضاافضل مواقع زيادة متابعين انستقرام مجانا

التسميط و التّرصيع :


لمّا كان الإيقاع تعاودا لمجموعة من العناصر على مسافات متقايسة يصبح التسميط والتّرصيع من أبرز ما يُحقّق هذه الوظيفة ، فهما ظاهرتان متواترتان في الشّعر الحربي والحماسي لتماشيهما وطرب الشاعر الشّخصي ، ورغبة منه في أن يكون لشعره دور الموسيقى العسكريّة في التّحفيز وبثّ الحماس في المتقبّل ، ومن أمثلة ذلك عنده :
ونحن في جذل والرّوم في وجل +++ واليرّ في في شغل والبحر في خجل

ـ قوّة الأجراس :


في تواترها واستخدامها استخداما وظيفيا . فكثيرا ما نرى المتنبّي يميل إلى الاستئناس بالأصوات الشّديدة المجهورة ويشيعها في البيت حتّى تترسّخ تلك الأصوات في الأذن وتساهم في إجلاء صورة الحرب وتؤثّر في المتلقّي إطرابا وإمتاعا وتؤثّر في العدوّ تخويفا وترهيبا ، يقول أبو الطيّب :
تجاوزت مقدار الشّجاعة والنّهي +++ إلى قول قوم أنت بالغيب عالمُ
ـ الموازنة الإيقاعيّة : هي توزيع الألفاظ توزيعا تناظريا في الصّدر والعجز . وقد حاول المتنبي من خلالها أن يناسب المقام المقال كأن يتغنّى برفعة قيمه في سياق عالم تبدّدت قيمه وتلاشت :
ليس التّعلّل بالآمال من أربي +++ ولا القناعة بالإقلال من شيمي
ـ الطّباق ( وهو من الإيقاع في المستوى الدّلالي ) : استأنس به المتنبي في إثراء الكون الشعري وتوسيع دلالاته ، فقد عمد إلى الطّباق لتأكيد خضوع الأعداء للأمير وانقلاب حالهم من النّقيض إلى النّقيض :
وبتن بحص الرّان رزحى من الوجى +++ وكلّ عزيز للأمير ذليلُ
وعموما فإنّ لهذه الظّواهر الإيقاعيّة وظائف خطابية تبليغيّة تعبيريّة ، إذ أنّ سامع القصيدة يستحضر من خلال الحروف والألفاظ والعبارات أصوات صليل السّيوف والرّماح، وانطلاق السّهام وحوافر الخيل وجلجلة الجيوش .

2 ـ المعجم :


تنوّعت الحقول المعجميّة والسجلاّت اللّغويّة عند أبي الطيّب وتكاثفت ، وقد استطاع الرّجل أن يُوجد صلات بينها لاسيّما وهي تتّكئ في الأصل على المعجم الحربي لارتباطها بالظّاهرة الحربيّة ، ثُمّ إنّ هذا المعاجم بدويّة في صورها دينيّة في مراجعها حربيّة في مكوّناتها ..
ـ اتّساع المساحة الّتي يمتدّ عليها الحقل المعجمي الواحد وتعدّد الأسماء فيه لمسمّى واحد ، يقول المتنبّي في تعديد أسماء السّيف :
لامة فاضة أُضاة دلاص +++ أحكمت نسجها يدا داوود
ـ المعجم الحربيّ : ( السيف ، الرمح ، القنا ، السنان ، الصّارم ، الحرب ، طعنة ، النار ....)

ـ المعجم الدّيني :


ولست مليكا هازما لنظيره +++ ولكنّك التّوحيد للشّرك هازمُ

ـ المعجم السياسي : 

احتجّ المتنبي على الحُكّام الّذين استبدّ بهم الخوف والجبن ، وتخلّوا عن القتال الذي به يُدافعون عن حدود الدّولة وكيان الخلافة :
أيملك الملك والأسياف ظامئة +++ والطّير جائعة لحم على وضم

ـ معجم الأسلحة :


الخيل والليل والبيداء تعرفني +++ والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ
ـ تحويل حقول معجميّة من سياق أغراض شعريّة بعيدة عن قسوة الحرب وعنفها ( الغزل مثلا ) إلى سياق أغراض ذات صلة وثيقة بالحرب ( المدح والفخر والرثاء )
أعلى الممالك ما يُبنى على الأسل +++ والقتل عند مُحبّيهنّ كالقُبل.


3ـ الصورة الشعزيّة :


يقول مصطفى المداينيّ: « الصّورة الشّعريّة هي نتيجة حتميّة لكيفيّة تصوّر حدث ما وتصويره وإبرازه للوجود كتابة ، وهي تنطلق من الوصف كمادّة أوّليّة ، والصّورة الشّعريّة رغم أنّ الخيال ركيزتها ، فهي ذات خميرة واقعيّة .»
وقد تفنّن المتنبّي في أشعاره الحماسيّة في تجسيد المعاني الحربيّة بالتخيّل فأنشأ لنفسه ولممدوحه عالما مفارقا لعالم الأعداء ، وقد استفاد في ذلك من حسن توظيف البيان :
ـ التشبيه بأنواعه وهو وسيلة الشّاعر لجعل المعاني ماثلة في الذّهن :
أتوك يجرّون الحديد كأنّهم +++ سروا بجياد ما لهنّ قوائمُ.

ـ الاستعارة :


هي من أهمّ أساليب التّصوير لما فيها من مبالغة وإيهام ، ومن قدرة على التّخييل ، ودفع المتقبّل على التّصوّر. فقد جعل المتنبّي السّيوف كلّما تناهى إليها اسم سيف الدّولة تتبسّم تيها وفخرا :
إذا نحن سمّيناك خلنا سيوفنا +++ من التّيه في أغمادها تتبسّمُ
ـ الجمع بين التشبيه و الاستعارة إيغالا في المجاز وتصوير المستحيل ممكنا خارقا حدود العقل والعادة إذ بالمبالغة والغلوّ يقف سيف الدّولة « على جفن الرّدى وهو نائمُ « ، بل ينزّله المتنبّي منزلة مقدّسة:
تجاوزت مقدار الشّجاعة والنّهي +++ إلى قول قوم أنت بالغيب عالمُ

ـ الإغراب والتّهويل :


خميس بشرق الأرض والغرب زحفه +++ وفي أذن الجوزاء منه زمازمُ

ـ الاستطراف والتّجميل لمشاهد الفتك والبطش:


بناها فأعلى والقنا يقرع القنا +++ وموج المنايا حولها متلاطمُ.

4 ـ الأساليب اللّغويّة :




يمكن الملاحضة قوة بديهة المتنبي و حسن إنتقائه لألفاضه في هذا الفيديو .
مصدر الفيديو قناة ( Shivan Fattah )


تنوّعت هذه الأساليب عند المتنبي واختلفت بين ماهو صرفي وماهو نحويّ حسب مقام القول :

الصيغ الصّرفيّة :


ـ اختيار أوزان الزّيادة الدالّة على الشّدّة خصوصا ( تفعّل و تفاعل )
تسايرها النّيران في كلّ مسلك +++ به القوم صرعى والدّيار طلولُ
ـ انتقاء صيغ المبالغة والتّعظيم في وصف الفتك:
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة +++ ووجهك وضّاح وثغرُك باسمُ.

التراكيب النّحويّة :


ـ تركيب الإثبات والنّفي في استخلاص العبرة من هزيمة سيف الدّولة
إنّ السّلاح جميع الناس تحمله +++ وليس كلّ ذوات المخلب السّبعُ
ـ التركيب الظرفي خاصّة في الأبيات الحكميّة ..
إذا رأيت نيوب الليث بارزة +++ فلا تظنّنّ أنّ الليث يبتسمُ
ـ صيغ الأمر والإلزام الذّاتي
ردي حياض الرّدى يا نفس واتّركي +++ حياض خوف الرّدى للشّاء والنّعم
ـ التقديم والتّأخير لإثبات معنى ما ، كإثبات عجز العدوّ عن تنظيم جيشه وذلك بإرباك بنية الجملة الفعلية:
يكلّف سيف الدّولة الجيش همّه +++ وقد عجزت عنه الجيوش الخضارمُ.

5 ـ بنية القصيدة :



تنوعت بنى قصائد المتنبي واختلفت من قصيدة إلى أخرى بين اتّباع للبنى المألوفة الثابتة وبين عدول عنها لاسيما في مستوى استهلال القصائد وعلاقته بالغرض الذي تنتمي إليه . ومن أهم البنى يمكن أن نذكر.

ـ الينية التقليدية :


أجاب دمعي وما الدّاعي سوى طلل +++ دعاه فلبّاه قبل الرّكب والإبل
ـ البنية المستحدثة : وتكون بالتصرّف في مطالع القصائد بتنويعها والتفنّن فيها مثل :
+ المطلع الحكمي ارتقاء بالمعاني الحماسيّة إلى معان كونيّة مطلقة من ذلك:
الرّأي قبل شجاعة الشّجعان +++ هو أوّل وهي المحلّ الثّاني
+ الشّروع في الغرض مباشرة:
أمساور أم قرن شمس هذا +++ أم ليث غاب يقدم الأستاذا
ـ البنية الحجاجية : وكثيرا ما تردّدت في قصائد المتنبي الحماسية خاصّة تلك التي تنفتح على الحكمة التي تستحيل أطروحة يُدافع عنها الشاعر ويتبناها ثم يستدلّ عليها بما يُقرّره من حقائق في حشو القصيدة حُجّة بالفعل على صحّتها وليس أدلّ على ذلك من قصيدة الحدث الحمراء ...

ـ البنية القصصيّة : 

تتابع مراحل الفعل العسكري إذ كثيرا ما اعتمد المتنبي ضروبا من السّرد وروحا من الرّواية كما في سرده لملاحم سيف الدّولة في قصائد كثيرة لعل أهمّها تلك اللاميّة
من ستّ وستّ وستّين بيتا ومطلعها:
لياليّ عند الظّاعنين شكول +++ طوال وليل العاشقين طويلُ.

مضامين شعر الحماسة عند المتنبي .


لعلّنا ونحن نقرأ حماسيات المتنبي نظفر بمضامين كثيرة ومتنوعة ، سنحاول الخوض فيها تباعا، على أننا سنقصر جهدنا في هذا الإطار على البحث في معاني الحماسة وما اتصل بها من تصوير للبطولات والمعارك ، ورصد للقيم التي تغنّى بها المتنبي وحاول إحياءها وعطف القلوب عليها ، إضافة إلى جمع أهم الوظائف التي نهض عليها شعر المتنبي الحماسي دون أن ننسى نبل المقاصد التي يحفل بها شعر المتنبي...

1 ـ المعاني الحماسية :


لم يختلف المتنبي كثيرا عن غيره من شعراء الحماسة في التغني بمعاني البطولة والحرب وتخليد المآثر ، بل لعلّه كرّر العديد من المعاني الحماسيّة الّتي دأب عليها الشعراء منذ الجاهليّة...

خصال القائد العسكري :


لقد مثّلت حماسيات المتنبي تغنّيا ببطولات يَنشُدُها ويُنشِدها في كلّ بطل عسكريّ ، لذلك مجّد أبطالا كثيرين في مدحياته ورثائياته وحتى في فخرياته ، ومن أهمّ خصال أبطاله يمكن أن نذكر :
ـ الإقدام على الحرب دون تهيّب:
قاد الجياد إلى الطّعان ولم يقد +++ إلاّ إلى العادات والأوطانِ
ـ سرعة البطش والكرّ والفرّ والنّجاعة الحربيّة:
ركض الأمير وكاللّجين حبابه +++ وثنى الأعنّة وهي كالعِقيانِ

ـ حُسن التّخطيط للمعركة:

يُكلِّف سيف الدّولة الجيش همّه +++ وقد عجزت عنه الجيوش الخضارمُ

ـ التّنكيل بالأعداء:

تسايرها النيران في كلّ مسلك +++ به القوم صرعَى والدّيار طُلولُ
ـ الصّفح والعفو :
هو البحر غص فيه إن كان ساكنا +++ على الدّرّ واحذره إذا كان مزبدا.

تصوير الوقائع وتخليد المآثر.



إنّ قارئ حماسيات المتنبي تستوقفه دون شكّ قدرته على الإحاطة بمختلف مكوّنات الواقعة الحربيّة وصفا للجيوش وتصويرا لأطوار المعركة ..
ـ وصف الجيوش: صوّر المتنبي جيش المسلمين وخاصة جيش سيف الدولة في صورة جيش عرمرم لا يُبقي ولا يذر فقد بدا جيشا من العقبان وجيشا من الفرسان كلاهما يُكمّل الآخر :
له عسكرا خيل وطير إذا رمى +++ بها عسكرا لم يبق إلاّ جماجمه
← يبدو جيش المسلمين مغرما بسفك الدّماء ويتلذّذ بالجثث ومشاهد البشاعة كما تفوح من فعاله رائحة شماتة حين يجعل العدوّ طعاما للنّسور والغربان ..
سحاب من العقبان يزحف تحتها سحاب +++ إذا استسقت سقتها غمائمه
ـ تنوّع الأسلحة وكثافتها : اختلفت أسماء الأسلحة وتنوّعت في شعر الحماسة ولعلّ أهمّها السّيف الّذي يُعتبر عند المتنبي مُحقّق رجولة الفتى ومؤسّس مجده :
ولا تحسبنّ المجد زقّا وقينة +++ فما المجد إلاّ السيف والفتكة البِكرُ
ومن الأسلحة المتواترة في حماسيات المتنبي نجد ذكر الرماح التي كثيرا ما ترد باسم القنا وهي رمز المنعة والصّدّ ..
وعفا الطّراد فلا سِنان راعف +++ فوق القناة ولا حُسام يلمعُ
ومن ضرورات قوة الجيوش وتكاملها امتلاك الخيول السّريعة الّتي لا تخشى الحروب وأهوالها ولا تكلّ من الزّحف ليلا نهارا ..

ـ وصف أجواء المعركة وأطوارها :


عُنِي المتنبي بوصف أجواء المعارك من تقدّم جيوش العرب المسلمين وفرار جيوش العدوّ وصوّر بلاء المقاتلين في ساحة الحرب والنّجاعة القتاليّة والقدرة على مبارزة أعتى القادة والفرسان . إنّ للمتنبي قدرة على نقل المعركة صوتا وصورة فهو أذن تسمع وعين تبصر وعقل يتدبّر .
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا +++ وموج المنايا حولها متلاطمُ
وتغنّى المتنبي أيضا باسترجاع الثّغور والقلاع وفتح المدن وغزو البلدان لعلّ أهمّها واقعة الحدث التي اقترب فيها المتنبي من أجواء الملاحم فكانت قصيدته فوريّة من حُمّى المعركة تنطق ، وبها تنفعل .
وقد جعل المتنبي تصويره للوقائع قائما على بنية سرديّة حافظت على تواشج بناء نصّه الشعري إذ يتنامى الحدث في الزّمان ( ما قبل المعركة ، أثناءها ، ما بعدها ) وفي الإنجاز ( من المواجهة إلى الهجوم إلى الانتصار ) ، ولعلّ الطريف في شعر المتنبي أنّه يُصوّر معارك لم تقع بعدُ تحريضا وتحفيزا للجيش كما هو الشأن في قصيدته الجيمية :
لهذا اليوم بعد غد أريج +++ ونار في العدوّ لها أجيجُ

ج ـ القيم المُثلى :


إنّ شعر الحماسة لا يكتفي بفنون القول يُعلّق بها المتلقّي نغما وصورة بل يعطف القُلوب على قيم الجماعة يتغنّى بها وينشدها:

ـ الدّفاع عن الأوطان..
ـ الدّفاع عن العصبيّة العربيّة..
تشرّف عدنان به لا ربيعة +++وتفتخر الدّنيا به لا العواصمُ
ـ الحميّة الدينيّة ....
ولست مليكا هازما لنظيره +++ ولكنّك التّوحيد للشّرك هازمُ.

ـ الرّفعة والتعالي ...

من كان فوق الشمس موضعه +++ فليس يرفعه شيء ولا يضعُ
ـ اكتمال المروءة والعظمة و الشجاعة ...
ـ العزّة والأنفة ...
عش عزيزا أو مت وأنت كريمُ +++ بين طعن القنا وخفق البنودِ
ـ رجاحة العقل والحكمة وحسن التّدبير ....
الرأي قبل شجاعة الشّجعان +++ هو أوّا وهي المحل الثاني.

ـ الحلم بالمجد ...

وتركك في الدّنيا دويا +++ كأنّما تداول سمع المرء أنمله العشرُ

ـ الإرادة والعزم والكرامة ...

على قدر أهل العزم تأتي العزائم +++ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
د ـ نبل المقاصد في شعر الحماسة :
ـ مقصد ديني : إحياء مفهوم الجهاد بالدّفاع عن الإسلام ودرء الشرك
ولست مليكا هازما لنظيره +++ ولكنك التوحيد للشرك هازمُ
ـ مقصد أخلاقي : بثّ روح الفضيلة بالتغني بالكرم والسّخاء والصبر والعفو ...
ـ مقصد اجتماعي :تحقيق الأمن وإشعار الناس بالأمان على الذّوات والأرزاق ..
تبيت له الحواصنُ آمنات +++ وتأمن في مسالكها الحجيجُ
أبالغمرات تُوعدنا النّصارى +++ ونحن نُجومها وهي البُروجُ.
ه ـ وظائف شعر الحماسة عند المتنبي :تكمن قيمة شعر الحماسة في 

الوظائف التي يضطلع بها 


وهي وظائف متنوعة ولكنها متكاملة:

ـ الوظيفة التأثيريّة :


وتتجلى في إثارة الحمية الدينية ، وإثارة الحميّة العُروبيّة ..
وكيف تُرجّي الروم والروس هدمها +++ وذا الطّعنُ أساس لها ودعائمُ

ـ الوظيفة الإنشائيّة : 

وتتجلّى في مختلف التشكيلات الفنية التي تؤسّس شعر الحماسة..

ـ الوظيفة الاتّقائية : 

وتتمثّل خصوصا في ترهيب الأعداء والحدّ من أطماعهم التوسّعيّة....
وإن يُقدمْ فقد زُرنا سمندو +++ وإن يُحجم فموعده الخليجُ.

ـ الوظيفة التعبيرية :


التعبير عن الانتماء للعروبة مثلا ...
ـ الوظيفة المرجعية : وتجمع بين قيمتين ، قيم السلم ( التغني بالكرم ، التواضع ، الشرف ، رفعة المنزلة ، الصير ، العزّة .. ) وقيم الحرب ( البطش ، الصّمود ، الفروسية ، الشجاعة ..)
ـ الوظيفة التسجيلية : تسجيل الأمكنة ( منبج ، الران ..) ، تسجيل الأزمنة ، تسجيل الشخصيات ( سيف الدولة ، الدمستق ، ألبدر بن عمار .) ، تسجيل الأحداث ( واقعة الحدث ..)

 الخاتمة .


لئن ارتبط شعر الحماسة عند المتنبي بالواقع والوقائع ، فإنّه لم يكن شعر توثيق وتسجيل بقدر ما كان شعر فنّ وتخييل ، إذ الشاعر لا ينقل ما ترصده العين بل ما يراه ببصيرته ووجدانه لأنّ وظيفة اللغة لا تقف عند الإخبار والتّقرير بل تتعدّاها إلى تلك الوظيفة الانشائيّة التي تتجمّل فيها اللغة وتتحلّى . وقد سعى المتنبي في حماسياته إلى تحقيق ذلك ، لاسيما و أنّ الحماسة قوّة قوليّة تسعى بجيّد الكلام إلى جيّد الفِعال .
ثمّ إنّ المتنبي في شعره الحماسيّ قد مرّ بين طريقين : طريق سنن دأبت عليها الذّائقة الشّعريّة ، وطريق الفرادة والتّميّز التي لا يختلف اثنان في إدراك المتنبي لها حتى ” ملأ الدّنيا وشغل النّاس ‟ ... فقد تفنّن في أشعاره الحربيّة في توظيف وسائل فنيّة عديدة بهدف إخراج صور طريفة تخرق العُقول إذ أنّ الشعر يقوم أساسا على الغُلوّ وتصوير المستحيل ممكنا خارقا حدود العقل والعادة ، أليس هو القائل في سيف الدولة :

تجاوزت مقدار الشّجاعة والنّهى +++ إلى قول قوم أنت بالغيب عالمُ.

المتنبي



ملاحضة: هذا التلخيص حصري علي موقع عالم البكالوريا لا يوجد مثله علي أي موقع أخر، 
الشكر و كل الشكر للأستاذ " عمار بالخضرة الذي أمدنا بهذه الدراسة المتكاملة أدامه الله

تعليقات
تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • Unknown
    Unknown 28 نوفمبر 2020 في 9:17 ص

    نحب pdf التلخيص هذا

    إرسال ردحذف
    • Unknown
      Unknown 12 نوفمبر 2021 في 3:48 ص

      لا يوجد منها في الواتساب

      إرسال ردحذف



      وضع القراءة :
      حجم الخط
      +
      16
      -
      تباعد السطور
      +
      2
      -