نص : لأتركنّ وجوه الخيل ساهمة لأبو الطيّب المتنبي
المقدّمة :
يقف شاعر الحماسة على احتفاء كثيف بالحروب وأهوالها وتغنّ صريح بخصال أبطالها ومآثرهم لإي بناء فنّي للصّور والمشاهد ، ولم يشذّ المتنبّي عن ذلك وهو ما تردّدت صداه في هذه الأبيات الفخريّة الحماسيّة الّتي انتظمت على وتيرة وزن بحر البسيط ( مستفعلن فاعلن ) ، رويّها الميم المكسورة . قالها المتنبي في صباه ، والمتنبي هو أشهر شعراء العرب في القرن الرابع للهجرة فقد أراد لنفسه أن تكون في القافلة نشازا وفي الجمع تفرّدا وتميّزا ، حفلت حياته بأحداث كثيرة ترجمها في ديوان تعدّدت أغراضه وإن كان المدح قد غلب عليه ، ومن هذا الديوان اقتطفت هذه الأبيات شرح العكبري الجزء الرّابع دار المعرفة بيروت ، وتحديدا من الصفحة التاسعة والثلاثين إلى الصفحة الرابعة والأربعين ، ومدار القول فيها شكوى الشاعر من الدّهر والملوك والناس ودعوته إلى ترسيخ جملة من القيم يؤمن بها ديدنا في حياته .الأساليب الفنّية التي استأنس بها الشاعر ليرصد لنا موقفه من الدّهر والنّاس
كيف تجلّت علاقة الشاعر بنفسه وبالملوك؟
وماهي أهم المعاني الحماسية التي اتخبها الشاعر في النص؟ وما مقاصده من ذلك؟
وإلى أي مدى كان الشاعر وفيا لمقومات القصيدة الحماسية في القرنين الثالث والرابع؟
لكي تعرف علي المتنبي حياته و أفكاره اضغط هنا.
الجوهر
الوحدات : المعيار: التقابل بين الشاعر و الأخر
1 – ب 1 ← ب 3 : الشاعر والدّهر
2 – ب 4 ←ب 14 : الشاعر والناس
3 – ب 15 + ب 16 : الشاعر ونفسه
4 – البقية : الشاعر والملوك
التحليل
الوحدة الأولى
يقوم خطاب المتنبي في هذا المقطع على :
حمل شرح النص من هنا حضور مكثّف لضمير الأنا " أربي ، شيمي ، تتركني ... " ← استجابة النصّ الظّاهرة إلى نموذج الفخريّة القائم على مديح الأنا .
تواتر النّفي " ليس التعلل .. ولا القناعة .. ولا أظنّ .." ← تأسيس الخطاب على المقابلة بين نفي ظاهر وإثبات باطن .← تأكيد تفرّد الأنا .
تدرّج الخطاب من الجملة الاسميّة ( البيت الأول ) إلى الجملة الفعليّة ( البيت الثاني ) : من طرح مبدإ إلى ذكر فعل يُؤكّد هذا المبدأ .
تدرّج من الخبر ( البيتان الأولان ) إلى الإنشاء ( البيت الثالث ) : نزوع إلى تعليل واقع الذّات والتماس الحجج لتنزيهها عن القصور باتّهام الدّهر وتحميله مسؤوليّة واقع الأنا ← تدرّج من الإخبار إلى الخطاب : نزعة تأثيريّة .
التقابل بين المفرد ( أظنّ ) و الجمع ( بنات الدّهر ) وتضخّم الأنا تدريجيّا ليوازي الجمع ويُواجه العدد ( بنات الدهر ، طرق ، الليالي ) بالتعدّد .
التّوازن التركيبي أو ردّ الأعجاز على الصدور : احتفال بالإيقاع تأسيسا لغنائيّة الفخر . ← احتفار بالإيقاع لتصوير مظاهر توجّع الأنا في علاقتها بالدّهر وقدرتها على مواجهته .
الوحدة الثانية
يقوم الخطاب في هذا المقطع على :
ـ التّدرّج من الحاضر مُعاينة ( أرى أُناسا / ذكر جود / رُبّ مال ) إلى المستقبل وعيدا ( سيصحب النّصلُ / وينجلي خبري ).
ـ كثافة الثّنائيّات الزمنيّة : ثنائيّة الحاضر والماضي ( اقد تصبّرت .. / فالأن أُقحم .. ) : طال الصير وحان ميعاد التمرّد .
ثنائيّة الحاضر والمستقبل ( الأن أقحم / لأتركنّ .. ) : العزم على الفعل .
ـ المقابلة بتوظيف الأحوال : مقابلة بين المأمول ( التكرّم بالمال والجاه ) والموجود ( محصولي على الكلم ) ← إحساس بالخيبة وأنّه لا خير في الأخر .
ـ المعجم الحربي ( النّصل / مضري / الحرب / الطّعن ) : يُواجه به المتنبي معجم قيم الناس ( غنم ، كلم ، فقر من المودّة ) .
ـ ثصوير مظهر ( أناس ، ذكر جود ، ريّ مال ) يقابل المخبر ( غنم ، كلم ، فقر قيم ) تمهيدا لثورة قوامها :
الاحتفال بالأفعال وكلها تنعقد على الحرب معجما ومرجعا .
تواتر صيغ تأكيد الفعل ( سيصحب ../ لأتركنّ .. / لام التوكيد ) .
دقّة التّصوير بتشخيص الخيل ( ساهمة ).
← إبراز صورة الذّات في مواجهة الناس .
الوحدة الثالثة
يقوم خطاب المتنبي في هذا المقطع على :
ـ الالتفات إلى الأنا ( يا نفس ، لم أذرك .. ) : تعطّلت سبل التواصل مع الأخر فاكفأ الشاعر على ذاته يخاطبها .
ـ تكاثف حضور الإنشاء بتوظيف :
الأمر ( ردي )
النداء ( يا نفس ) ← يُواجه الشاعر مواطن الوهن في نفسه استدراكا للنّقص في القيم .
الدّعاء ( لا دُعيت )
ـ تواتر التّرديد ( حياض الردى / حياض خوف الردى ) والتّضعيف ( اتّركي ) لإبراز نفاذ العزم والشّدّة مع النّفس ← إبراز شدّة الشاعر في مواجهته لنفسه يريدها على الصّعاب وما يناسبها وماهي جديرة به مجدا وكرما وشجاعة .
الوحدة الرابعة
يقوم الخطاب في هذا المقطع على :
ـ توظيف اأسلوب إنشائي قوامه الاستفهام الإنكاري ( أيملك الملك؟ ) ← التعبير عن الرّفض
ـ توظيف الكناية في تصوير الملوك ( لحم على وضم ) : إبراز عجز الملوك وتصويرهم في سخرية تُعمّق الرّفض .
ـ تعدّد الاستعارات الموحية بمعاني العنف والقسوة ( أسياف ظامئة ، طير جائعة ، لو رآني ماء .. ) : تأكيد عجز الملوك عن الفعل وجبنهم وقعودهم عن الحرب . ← تحقير الملوك بإنكار السّلطان عليهم .
← التّدرّج من تصوير ضعف الملوك إلى الوعيد والتّهديد .
ـ كثافة الشرط ( بيت 18 + 20 )
← قامت العلاقة بين المقاطع على الشكوى من الواقع ( الناس والملوك ) والتّوعّد بتغييره .
التّقويم
ـ تلوين صيغ الإيقاع تعبيرا عن الحماسة والفخر في القصيدة .
ـ وفاء جلّ المعاني الفخريّة للسنّة الشعرية ( التمرّد / البحث عن التفرّد ذاتا وفنّا )
ـ التناغم بين النص ومقام قوله ( الصبا )
ـ ارتباط المعاني الفخرية يثوابت سار عليها شعر المتنبي ( مواجهة الدهر والناس ، الثورة والشدة ، الفرادة ، الاستعلاء )
التأليف
ـ عناصر الإيقاع تستميل السامع .
ـ خضوع النص لبناء تصاعديّ من التأمّل والشّكوى إلى التمرّد .
ـ محوريّة ذات المتنبي في مواجهة الدهر والناس والملوك .
ـ عناصر المواجهة تكشف تعلّق الشاعر بالمنشود .
ـ إنشاء مرجعيّة فخريّة عمادها القيم بدلا عن النّسب .
اطلع علي تلخيص محور شعر الحماسة من هنا